تاريخ الأبرشية
نبذة تاريخية عن ابرشية دمشق للسريان الكاثوليك
موقع دمشق واسمها تاريخياً
تعتبر دمشق أقدم عاصمة في التاريخ ما تزال عامرة، وهي تقع على اطراف بادية الشام عند ابتداء سهول سوريا الجوفاء ووديان الجليل وسواحل بحر سوريا وسط واحة غناء، وتحوطها الغوطة الفيحاء من جوانبها الثلاثة ويحدها جبل قاسيون غرباً بارتفاع 1150 م، وترتفع 700 متر عن سطح البحر، وترويها سبعة أنهار: بردى ، يزيد ، ثورا، القنوات، بانياس ، الديراني ، عقربا. ويذكر أنه قد اطلق على نهر بردى اسم "خريسورواس" باليونانية أي ناقل الذهب أو مجرى الذهب، وقد اطلقه معاصرو القديس يوحنا الدمشقي عليه لغرارة علمه وسمو فضائله. لكن شهرتها الحقيقية اتتها من هداية بولس الرسول على ابوابها، فغدت مدينة مقدسة، ومهداً للمسيحية وحاضرة لها، تفخر بكاتدرائيتها التي كانت على اسم القديس يوحنا المعمدان والتي تحولت فيما بعد الى الجامع الأموي الكبير بعد أن صارت عاصمة للأمويين.
لا ريب أن دمشق وسكانها اول من سمع في الدنيا بأن يسوع المسيح هو " ابن الله " وذلك على لسان بولس الرسول الإناء الذي اصطفاه المعلم الإلهي، لينقل المسيحية الى العالم الهلنستي: من انطاكية، الى افسس، الى كورنتوس، الى روما، فلقب "رسول الأمميين " (رو 8 / 13). وهكذا تحولت المسيحية ببولس من الصيغة السامية الى الصيغة الهلنستية، ومن القومية الى العالمية ورشحها للشمول والخلود.
ومن الحق القول إن امجاد دمشق ترتبط اولا بأمجاد بولس الرسول، و التي يمكننا ان نسميها مدينته الأولى: فيها اهتدى، وفي شارعها المستقيم حيث بيت يهوذا اعتمد على يد حنانيا الرسول، وبجوارها كانت دعواته الثلاث الأولى، وفي ديار العرب عند تخوم دمشق بعد خلوة دامت ثلاث سنوات نظم بوحي من الروح القدس عقيدة الإنجيل وصوفيته. لذلك فهي مدينة مسيحية مقدسة، تقدست خصوصاً بظهور السيد المسيح فيها لبولس، ولن يختفي من سمائها والى الأبد ذاك الحوار العجيب الذي جرى بينهما والذي تمت هدايته على اثره رؤيةً بالبصر، وكشفاً في البصيرة، فانطبع المشهد المعجز في نفسه حقيقة تتحدى الزمن وواقعاً اغتذى منه بولس وتقوى، فكان زاداً لحياته برمتها وشهادة أدت الى الاستشهاد في سبيل يسوع التاريخ والحقيقة، ومسيح الخلاص، ورب المحبة المتجسد.
سميت دمشق، عبر التاريخ، بأسماء عديدة ومختلفة لا مجال لطرقها مفصلاً هنا . لكن آخر هذه الأسماء والتي لا تزال تحمله حتى يومنا هذا هو دمشق أو دارميسيقا ، أي الدار المسقية ، أو الأرض المسقية ، وهي لفظة آرامية تعني الأرض المزنرة تتقدمها دال النسبة السريانية نحوياً ، وذلك بعد أن سكنها الآراميون وجعلوها عاصمة لمملكة آرام دمشق في القرن العاشر قبل الميلاد.
بقيت دمشق –كما بلاد الشام بأسرها– على لغتها الآرامية السريانية حتى القرن الرابع عشر. ثم بدأت بالانحسار و الانسحاب تحت تأثير سيطرة اللغة العربية لغة الحكام الفاتحين، ما عدا بلدة معلولا المسيحية، وجبعدين وبخعة وعين التينة التي اسلم اهلوها منذ ما يزيد عن القرن من الزمن ولكنهم ما زالوا يتكلمون السريانية حتى اليوم.
نُقلت بشرى الانجيل الى دمشق من أيام السيد المسيح فأخذت الأوساط اليهودية تتناقلها حتى غذت المناقشات في مجامعهم, وما عتمت أحداث آلام السيد المسيح وأخبار الحركات الشعبية الأولى الناجمة عن كرازة الرسل والتلاميذ, وكذلك توقيف الرسولين بطرس ويوحنا، والمعجزات والاضطهادات واستشهاد اسطيفانوس والكرازة في السامرة ، والتي على اثرها رحل المسيحيون متفرقين الى يافا وانطاكية وقبر ص وهاجر القسم الأكبر منهم الى دمشق ، هذه الأمور كلها أحدثت بلبالاً ورجّعت اصداء عميقة بين ظهراني يهود دمشق.
وفي هذه الفترة تحديداً صار لدمشق رسولها الخاص في شخص التلميذ حنانيا. الذي استشهد ما بين 60 / 70 ميلادية إثر الاضطهاد الذي شمل المسيحيين في كل المدن في ذلك العصر والذي استمر حتى سنة 313 أي حتى اعلان ميلانو التي حققه الإمبراطور قسطنطين الكبير. الأمر الذي دفع المسيحيين الى أن يرتبوا انفسهم في تنظيم داخلي سري، فكان لهم منذ ذلك الحين اساقفة يتعاقبون بدون شهرة ولا ظهور فيجتمعون مع المؤمنين ليصلوا في الدياميس تحت الأرض خوفاً من مداهمة اليهود والوثنيين لهم من وقت لآخر... ومنذ الربع الأول من القرن الرابع كان لدمشق اساقفة سريان متعاقبون. ومنذ بداية القرن السابع ثمة سلسلة متقطعة لأساقفة سريان تتراوح المدة بين اسقف وآخر ما بين الخمسين والمئة سنة وما يزيد، ولكن منذ العام 818 نجد أثراً لأساقفة متسلسلين بشكل يمكن اعتباره اعتيادياً. وقد دمج كرسي دمشق السرياني مع الكرسي الأورشليمي في منتصف القرن الخامس عشر على عهد ديسقورس ابن يشوع النبكي وبقي هكذا حتى بداية القرن السادس عشر.
ومنذ العام 1510 بدأ بعض اساقفة كرسي دمشق السريان يتّحدون بصورة شخصية بالكرسي الرسولي، وعلى إثر ذلك اخذت تتوسع حركة الوحدة هذه فشملت جماعات تكونت على اثرها ابرشية دمشق للسريان الكاثوليك وذلك في عهد مطرانها غريغوريوس يعقوب حلياني الذي رسمه مطرانا على كرسي دمشق البطريرك جرجس السيار في العام 1824لكنه وفي شهر حزيران من العام 1829 نادى بالكثلكة في كل انحاء ابرشيته فتبعته في الإيمان بقسوسها وشعبها وكنائسها قاطبة. وقد حصل هذا الحبر الجليل الذي رعى الأبرشية مدة اثنتان وخمسون عاماً في سنة 1844 على البراءة السلطانية التي تؤكد استقلال السريان الكاثوليك مدنياً عن السريان الأرثوذكس كما هو دينياً.
ومن الجدير ذكره ان الكنيسة الكاتدرائية التابعة له والتي تقع يسار الداخل الى دمشق من الباب الشرقي في الشارع المستقيم بين زقاق (تحت القبو) وحارة (الزيتون) والتي هي ضمن مجمع عمراني يحوي اضافة الى الكنيسة دار المطرانية وملحقاتها ومن ضمنها بنائين لسكن الطالبات بنيا في عهد المطران يوسف المنير قد ذكرها (فاتسنكر) بقوله : " من المحتمل أن تكون هذه الكنيسة هي الكنيسة المصلبة التي كانت ثاني الكنائس الأربع التي تخلى عنها الوليد بن عبد الملك للمسيحيين لقاء النصف الغربي من الجامع الأموي "ويستنتج من هذا ان موقعها يعود بقدمه الى عصر المسيحية الأول وإن كانت بشكلها الحالي تبدو حديثة البنيان نظراً لما لحق بها من احداث وكوارث وتعديات، وفي كل مرة يعاد بناؤها من جديد الى ان وسعها ورممها المطران يعقوب حلياني في العام 1848، ثم اضطر الى ذلك مرة ثانية بعد احداث مذبحة دمشق عام 1860 المشؤومة حيث احترق قسمها الجنوبي فجددها في العام 1863 بأحسن مما كانت عليه. وقد وضعت تحت شفاعة العذراء حيناً ثم شفاعة القديسين الشهداء بهنام واخته سارة وموسى الحبشي، وهي الآن باسم شفيعها القديس بولس الرسول وشفيع مدينته المقدسة دمشق.
وقد تتالى بعد المطران غريغوريوس يعقوب حلياني على هذا الكرسي العريق كل من الأحبار التالية اسماؤهم :
- المطران اقليميس يوسف داود 1879- 1890
- المطران اقليميس يوحنا معمارباشي 1892- 1894
- المطران يوليوس باسيليوس قندلفت 1896- 1900
- المطران اقليميس ميخائيل بخاش 1900 – 1922
- المطران اثناسيوس بهنام قليان 1922 – 1924
- المطران غريغوريوس بطرس هبرا 1924 – 1933
- المطران إيونيس جرجس ستيته 1933 – 1968 (+ 1975 )
- المطران اقليميس عبد الله رحال 1968 – 1971
- المطران اقليميس جرجس شلحت 1972 – 1978
- المطران اسطاثيوس يوسف المنّير 1978 – 2001
- المطران غريغوريوس الياس طبي 2001 – 2019
- المطران يوحنا جهاد بطاح 2019 -
يتوزع ابناء الأبرشية حالياً على خمس رعايا ثلاث في دمشق ورعيتان في ريفها وهي:
1- رعية كاتدرائية مار بولس _ باب شرقي . وفيها مقر اقامة المطران والدوائر الأسقفية .
2- رعية كنيسة سيدة النجاة – قطنا
3- رعية كنيسة العذراء سيدة فاطمة – القصور
4- رعية كنيسة يسوع العامل – دويلعة
5- رعية كنيسة مار يوسف – جرمانا
يتبع للأبرشية رسمياً وروحياً المؤسسات التالية :
- داران للعجزة تقدمان خدماتهما مجاناً، إحداهما للمسنين في حي اللعازارية من دمشق القديمة، والدار الأخرى للمسنات ويقع في حي الدويلعة، تديرهما الراهبات مرسلات المحبة ( رهبنة القديسة الأم تريزا دي كلكوتا ).
- داران لذوي الاحتياجات الخاصة ( المجروحين عقلياً ) وهما :
- بيت السلام: وهو مخصص للشباب والشابات من كل الطوائف . ويقع في حي المسك من دمشق القديمة. ومن الجدير ذكره أن للأب جهاد بطاح (المطران الحالي) اليد الطولى في تأسيس وقيام هذا البيت.
- بيت نجمة الشام: ويقع في مدينة جرمانا، وهو مخصص لذوي الإحتياجات الخاصة من الأيتام حصراً .
- الجمعية الخيرية التي اسسها المطران يوحنا جهاد بطاح في بداية اسقفيته . وتقدم المعونات المختلفة مادياً وروحياً للفقراء والمحتاجين والمرضى .
- مشروع بيت العناية الواقع في حارة المسك من دمشق القديمة وهومشروع انساني يهدف الى تشغيل عدد كبير من الشبيبة ومن ذوي الاختصاص ويتوجه بالدرجة الأولى الى ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف حالاتهم الإنسانية. ويسعى هذا المشروع ايضاً الى تأمين غرف للطبابة المجانية وغرف للطوارئ، وخصوصاً في هذه الأيام الصعبة حيث ما يزال وباء فيروس الكورونا يشكل خطراً يهدد حياة الكثير من الناس بسبب نقص الإمكانيات والمعدات او ضعفها. ويهدف كذلك لإقامة دورات مجانية للتأهيل الصحي المكثف للشبيبة بغية اعدادها لمساعدة الأطباء والممرضين. وهذا المشروع يقوم بسعي وجهود حثيثة من راعي الأبرشية الجديد المطران يوحنا جهاد بطاح وهو ما يزال قيد االتنفيذ.
إعداد: الأب بطرس فؤاد الهريرة
2021-03-25